«الخبيث» يهاجم سجن جو: معتقلون آخرون ينتظرون تشخيص إصابتهم بالسرطان!

سيد كاظم سيد عباس يحدق في العتمة بعدما فقد بصره بسبب مضاعفات السرطان
سيد كاظم سيد عباس يحدق في العتمة بعدما فقد بصره بسبب مضاعفات السرطان

2018-08-27 - 12:41 م

مرآة البحرين (خاص): مع تزايد حالات الإصابة بالأمراض المستعصية في السجون البحرينية والإهمال الطبي، لم يعد التعذيب أكثر ما يقلق المعتقلين وعوائلهم في السجن المركزي الذي تحوّل إلى مكان أشبه بمثلث برمودا. الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.

والحقيقة الأمّر، أن ليس كل خارج من سجن جو مولود فعلا. بعض الخارجين كانوا ميتين وبعضهم عاجزين عن الحركة كما حدث مع حسين القصاب، وآخرون خرجوا من حرب التعذيب ليأخذوا لقب محاربي السرطان، أما كثيرٌ لا زالوا يترجّون سلطات السجن بأن تُجري لهم فحوصات الكشف عن المرض الخبيث.

الناشطة الحقوقية ابتسام الصائغ أكدت ذلك بالقول "هناك أشخاص يشتبه بإصابتهم بالسرطان (...) بسبب المماطلة في عرضهم على طبيب مختص لتشخيص حالتهم لا نستطيع الجزم بذلك. لا بد من الاستجابة لمطالبهم فورا، التأخير يحرمهم من فرصة التشافي".

لقد تسبب الحرمان من العلاج فعلا في تدهور صحة المعتقل السابق السيد كاظم عباس (23 عاما). مع بداية العام بدأ يشعر بأعراض خطيرة بينها تراجع قدرته على الرؤية والتشنج وعدم القدرة على التنفس. لكن أحدا لم يستجب لمطالبه المتكررة ومناشدات عائلته.

تقول والدته "كان يعاني من تلك الأعراض لأشهر. أخوه السيد هاشم مسجون معه، كان يقول لهم إنه يحتاج لرؤية الطبيب. عرضوه على طبيب السجن (سوداني الجنسية) أعطاه بندول وقال له إنك لا تعاني من شيء". تصوروا لأي درجة من القسوة وصلنا، تضيف والدته بمرارة.

استمر السيد كاظم واستمرت والدته في إطلاق النداءات الإنسانية، ولم تجد إنسانا يستجيب لها. في 15 يوليو تم نقله للمستشفى بعد أن تعرض لنوبة تشنّج. قرر الدكتور حينها إجراء عملية لإزالة سوائل في رأسه كانت تضغط على عينه وتمنعها من الرؤية.

بعد إخضاعه للجراحة، ومزيد من الفحوصات تبيّن أن السيد كاظم يعاني من السرطان. بكل بساطة تم إبلاغ عائلته بذلك. احتجزته السلطات لأسبوعين قبل أن تقرر الإفراج عنه في 31 يوليو/ تموز: لقد بلغت إصابته بالسرطان مرحلة متقدمة، وفرص التشافي تتضاءل، وفقد بصره بالكامل بعد عملية جراحية أخرى.

عائلته تقول إن علاجة متوفر في 5 دول وفقا للتقارير الطبية، هي اختارت أن تعالجه في أمريكا وتنتظر أن تمنحها السفارة الأمريكية تأشيرة دخول. حتى ذلك الوقت يغرق السيد كاظم في الظلام والعتمة بعد أن كانت عينه تستشرف مستقبله.

تقول الناشطة الصائغ "كانت جريمة. ما يثير الغضب وجود معتقلين آخرين يعانون من نفس الحالة ويقابلها ذات الإهمال. لدينا حالات تحتاج تدخلا طبيا عاجلا (...) مصابون بهبوط حاد في الوزن وزوائد لحمية وكتل غريبة قد تكون أعراض إصابات جديدة".

قمبر... أكثر من عام بالسرطان

في أحد المستشفيات التركية يتلقى معتقل آخر علاجا بالكيماوي بعدما قررت السلطات الإفراج عنه مع تقدم حالته. يصر علي قمبر على قتال المرض حتى النفس الأخير. أجريت له عملية جراحية تكللت بالنجاح، لكن لا يمتلك حتى الآن تقريرا شاملا عن حالته.

قبل اعتقاله في سبتمبر 2014، لم يكن المفرج عنه علي قمبر يعاني من أي أمراض. تعرض للتعذيب للإقرار بالتهم التي وجهت له على خلفية نشاطه السياسي، قبل أن تقضي محاكم بسجنه 37 سنة ونقله للسجن المركزي لقضاء عقوبته.

بدأت أعراض مرض السرطان في الظهور على قمبر، بفقدانه الكثير من وزنه وفقدان مناعته، كان الجميع في السجن يرون الشحوب في وجهه، غير أن سلطات السجن لم تكن ترى شيئا، أو بعبارة أدق كانت ترى لكن الموت -بالنسبة لها- هو الحق الوحيد الذي يتمتع به قمبر أو أي سجين سياسي.

في أبريل/ نيسان 2017 وتحت المناشدات المتكررة تم إجراء فحوصات لقمبر، أعلن بعدها عن إصابته بسرطان في الدماغ. كان ذلك الخبر مثل الصاعقة على عائلته، التي فقدت أخاه عيسى قمبر (26 مارس 1996) بعد أن نفذت به سلطات البحرين حكم الإعدام رميا بالرصاص.

لم يشفع ذلك بالإفراج عنه واستكمال علاجه. بقى في السجن أكثر من عام كامل بعد تشخيص إصابته بالمرض القاتل، لم يتلق خلالها علاجا منتظما. لقد أدى ذلك إلى تدهور حالته الصحية. لا تعرف والدته المسنة عن إصابته بالسرطان لكنها قالت عندما رأته (3 يوليو/ تموز 2017): لم يعد كما دخل للسجن!

إلياس الملا... يُترك ليموت

بعد الإفراج عن قمبر، ذهبت أحلام حسن والدة المعتقل الياس الملا لتراه في منزله، كانت تريد الاطمئنان عليه وأن تعرف النقطة التي عندها سيفرج عن ابنها الياس. تقول بحسرة "كنت أتعذب وأتألم وأنا أرى حالة ابني تتفاقم يوما بعد يوم، لذلك كنت متواجدة وقت الإفراج عن علي قمبر".

وتتابع "تخيّلت أنه سيتم الإفراج عنه بعد أن تتفاقم حالته الصحية ويصل إلى مرحلة الخطر (...) كانت دموعي تحرقني، يا ناس أبناؤنا لا يحظون بأبسط حقوقهم، لماذا يتركون للموت حتى يقررون الإفراج عنهم؟"

وتضيف "قلبي يتقطّع وأنا أرى ابني يروح من يدي، تحمّلت وصبرت ولكن حتى متي!". وتضيف أحلام "منذ (21 يونيو/ حزيران 2018) لم توفّر إدارة سجن جو الدواء الخاص بعلاجه، أي مضاعفات تحصل له سأحمّل إدارة السجن المسؤولية ".

مضت أكثر من 3 سنوات على تشخيص إصابة إلياس الملا (25 عاما) بسرطان القولون، غير أن السلطة القضائية رفضت التماسات متكررة بالإفراج عنه. لقد تم استئصال الورم جراحيا في عملية في المستشفى العسكري بعد أن وصل المرض إلى المرحلة الثالثة.

حسين القابندي مثالا

تقول الناشطة الصائغ "صحيح أنه وفق الآراء الطبية لا يمكن ربط ما تعرض له السجناء من تعذيب وظروف قاسية في الإصابة بالسرطان، لكن يمكن التأكيد وفقا للدوريات العلمية أن العوامل النفسية تترك أثرا سلبيا على المصابين".

وتابعت "علي قمبر بقى في السجن 4 سنوات وسيد كاظم سيد عباس أمضى سنتين و7 شهور قبل الإفراج عنهما بدواعي إنسانية بالإضافة إلى إلياس الملا الذي قضى 6 سنوات في السجن، وجميعهم أجمعوا أن الظروف التي قاسوها في غرف التعذيب ولاحقاً في 10 مارس 2015 تركت بصمات على أوضاعهم الصحية".

وتتابع "لقد حرموا من أبسط حقوقهم، ورغم ظهور أعراض إصابتهم بالسرطان إلا أن ذلك لم يشفع لهم في الحصول على التشخيص والعلاج المنتظم (...) لقد قوبلت أوضاعهم الصحية بالمماطلة حتى وصلوا لهذه المرحلة من السوء".

وعبّرت الصائغ عن قلقها "لوجود حالات تعاني من أعراض مشابهة ولم يتم تمكينهم من حق العلاج برغم من وضوح تدهور حالتهم الصحية وفقاً لأهاليهم مثل حسين القابندي الذي فقد أكثر من نصف وزنه (...) إننا ننتظر الوقت الذي يفرج فيه عن جميع المعتقلين لا تمكينهم من العلاج فقط".